كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالت: وكانت لنا قطيفة كنا نقول علَمها حرير، فكنا نلبسها.
وعنها قالت: فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بِقِرام فيه صورة، فتلوّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، ثم قال: «إن من أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُشَبِّهُونَ بخلق الله عز وجل» وعنها: أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سَهْوة، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي إليه فقال: «أخِّريه عني» قالت: فأخرته فجعلته وسادتين.
قال بعض العلماء: ويمكن أن يكون تهتيكه عليه السلام الثوب وأمره بتأخيره وَرَعًا؛ لأن محل النبوّة والرسالة الكمالُ.
فتأمله.
السابعة: قال المزنيّ عن الشافعيّ: إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورًا ذات أرواح، لم يدخل إن كانت منصوبة.
وإن كانت توطأ فلا بأس، وإن كانت صور الشجر.
ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة غير محرمة.
وكذلك عندهم ما كان خرطًا أو نقشًا في البناء.
واستثنى بعضهم «ما كان رقمًا في ثوب»، لحديث سهل بن حُنيف.
قلت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن.
وقوله: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيُوا ما خلقتم» ولم يستثن.
وفي الترمذيّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج عُنُق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وُكِّلت بثلاث: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصوّرين» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وفي البخاريّ ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون» يدل على المنع من تصوير شيء، أي شيء كان.
وقد قال جل وعز: {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} [النمل: 60] على ما تقدّم بيانه فاعلمه.
الثامنة: وقد استثنى من هذا الباب لُعَب البنات، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهي بنت سبع سنين، وزُفَّت إليه وهي بنت تسع ولُعَبُها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة.
وعنها أيضًا قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمِعن منه فيُسَرِّ بُهُنَّ إليّ فيلعبن معي.
خرجهما مسلم.
قال العلماء: وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدرّبن على تربية أولادهنّ.
ثم إنه لا بقاء لذلك، وكذلك ما يصنع من الحلاوة أو من العجين لا بقاء له، فرخّص في ذلك، والله أعلم.
قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كالجواب} قال ابن عرفة: الجوابي جمع الجابية، وهي حُفيرة كالحوض.
وقال: كحياض الإبل.
وقال ابن القاسم عن مالك: كالجَوْبَة من الأرض، والمعنى متقارب.
وكان يقعد على الجَفْنَة الواحدة ألف رجل.
النحاس: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} الأوْلى أن تكون بالياء، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا يغيّرها عن حالها، فلما كان يقال جوابٍ ودخلت الألف واللام أقرّ على حاله فحذف الياء.
وواحد الجوابي جابية، وهي القِدر العظيمة، والحوض العظيم الكبير الذي يُجْبَى فيه الشيء أي يجمع؛ ومنه جببت الخراج، وجَببت الجراد؛ أي جعلت الكساء فجمعته فيه.
إلا أن لَيْثًا روى عن مجاهد قال: الجوابي جمع جَوبة، والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر.
وقال الكسائي: جَبَوْت الماء في الحوض وجبيته أي جمعته، والجابية: الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل، قال:
تروح على آلِ المُحَلَّقِ جَفْنَة ** كجابية الشيخ العراقي تَفْهَقُ

ويروى أيضًا:
نفى الذمَّ عن آل المُحَلق جفنةٌ ** كجابية السيح

ذكره النحاس.
قوله تعالى: {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} قال سعيد بن جُبير: هي قدور النحاس تكون بفارس.
وقال الضحاك: هي قدور تعمل من الجبال.
غيره: قد نحتت من الجبال الصُّم مما عملت له الشياطين، أثافِيها منها منحوتة هكذا من الجبال.
ومعنى {رَاسِيَاتٍ} ثوابت، لا تُحمل ولا تحرّك لعظمها.
قال ابن العربي: وكذلك كانت قدور عبد الله بن جُدعان، يصعد إليها في الجاهلية بسُلَّم.
وعنها عبّر طرفة بن العبد بقوله:
كالجوابي لا تَنِي مُتْرَعَةً ** لِقرَى الأضياف أو للمحتضِر

قال ابن العربي: ورأيت برِباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك، فإنهم يطبخون جميعًا ويأكلون جميعًا من غير استئثار واحد منهم على أحد.
قوله تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} قد مضى معنى الشكر في البقرة وغيرها.
وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعِد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال: «ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود» قال فقلنا: ما هن؟ فقال: «العدل في الرضا والغضب والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية» خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.
وروي أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمةٌ لك فقال: يا داود الآن عرفتني، وقد مضى هذا المعنى في سورة إبراهيم.
وأن الشكر حقيقته الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته، والكفران استعمالها في المعصية.
وقليل من يفعل ذلك؛ لأن الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية، بحسب سابق التقدير.
وقال مجاهد: لما قال الله تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} قال داود لسليمان: إن الله عز وجل قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل، قال: لا أقدر، قال: فاكفني قال الفاريابي، أراه قال إلى صلاة الظهر قال نعم، فكفاه، وقال الزهري: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} أي قولوا الحمد لله.
و {شُكْرًا} نصب على جهة المفعول؛ أي اعملوا عملًا هو الشكر.
وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدّت مسدّه، ويبيّن هذا قوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24] وهو المراد بقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور}.
وقد قال سفيان بن عُيَيْنَة في تأويل قوله تعالى: {أَنِ اشكر لِي} أنّ المراد بالشكر الصلوات الخمس.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تَفَّطر قدماه؛ فقالت له عائشة رضي الله عنها: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا». انفرد بإخراجه مسلم.
فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان؛ فالشكر بالأفعال عمل الأركان، والشكر بالأقوال عمل اللسان.
والله أعلم.
قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} يحتمل أن يكون مخاطبة لآل داود، ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عطية: وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلًا يقول: اللهم اجعلني من القليل؛ فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور}.
فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر! وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكل الشعير ويطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدَّرْمَك.
وقد قيل: إنه كان يأكل الرماد ويتوسَّده، والأول أصح، إذ الرماد ليس بقوت.
وروي أنه ما شبع قَطُّ، فقيل له في ذلك فقال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع.
وهذا من الشكر ومن القليل، فتأمّله، والله أعلم.
قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} أي فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} وذلك أنه كان متَّكِئًا على المِنْسأة وهي العصا بلسان الحبشة، في قول السُّدّي، وقيل: هي بلغة اليمن، ذكره القشيريّ فمات كذلك وبقي خافي الحال إلى أن سقط ميّتًا لانكسار العصا لأكل الأَرَضة إياها، فعُلم موته بذلك، فكانت الأَرَضة دالّة على موته، أي سببًا لظهور موته، وكان سأل الله تعالى ألا يعلموا بموته حتى تمضي عليه سنة.
واختلفوا في سبب سؤاله لذلك على قولين: أحدهما ما قاله قتادة وغيره، قال: كانت الجن تدّعي علم الغيب، فلما مات سليمان عليه السلام وخفي موته عليهم {تَبَيَّنَتِ الجن أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ فِي العذاب المهين}.
ابن مسعود: أقام حولًا والجن تعمل بين يديه حتى أكلت الأَرَضَة مِنسأته فسقط.
ويروى أنه لما سقط لم يُعلم منذ مات؛ فوُضِعت الأَرَضة على العصا فأكلت منها يومًا وليلة ثم حسِبوا على فلك فوجدوه قد مات منذ سنة.
وقيل: كان رؤساء الجن سبعة، وكانوا منقادين لسليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام أسَّس بيت المقدس فلما مات أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس، فأمر سليمان الجن به؛ فلما دنا وفاته قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد، وكان بقي لإتمامه سنة.
وفي الخبر أن ملَك الموت كان صديقه فسأله عن آية موته فقال: أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقال لها الخرنوبة، فلم يكن يوم يصبح فيه إلا تنبت في بيت المقدس شجرة فيسألها: ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا؛ فيقول: ولأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا ولكذا؛ فيأمر بها فتقطع، ويغرِسها في بستان له، ويأمر بكتب منافعها ومضارّها واسمها وما تصلح له في الطب؛ فبينما هو يصلّي ذات يوم إذ رأى شجرة نبتت بين يديه فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة؛ قال؛ ولأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حيّ، أنتِ التي على وجهك هلاكي وهلاك بيت المقدس! فنزعها وغرسها في حائطه ثم قال: اللهم عَمّ عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.
وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غدٍ؛ ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيّه، فمات ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد.
قال أبو جعفر النحاس: وهذا أحسن ما قيل في الآية، ويدل على صحته الحديث المرفوع، روى إبراهيم بن طُهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كان نبيّ الله سليمان بن داود عليهما السلام إذا صلّى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت؛ فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه قال ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة؛ فقال: لأي شيء أنت؟ فقالت: لخراب هذا البيت؛ فقال: اللَّهُمَّ عَمّ عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب؛ فنحتها عصا فتوكأ عليها حولًا لا يعلمون فسقطت، فعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة» وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس: {تَبَيَّنَت الإنْسُ أن لَوْ كَانَ الْجِنُّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ}.
وقرأ يعقوب في رواية رُوَيْس {تُبُيِّنَتِ الْجِنُّ} غير مسمى الفاعل.
ونافع وأبو عمرو {تأكل مِنْساتَه} بألف بين السين والتاء من غير همز.
والباقون بهمزة مفتوحة موضع الألف، لغتان، إلا أن ابن ذَكْوَان أسكن الهمزة تخفيفًا، قال الشاعر في ترك الهمزة:
إذا دَبَبْتَ على المِنْساة من كِبَرٍ ** فقد تباعد عنك اللَّهْوُ والغَزَلُ

وقال آخر فهمز وفتح:
ضربنا بمِنْسَأة وجهه ** فصار بذاك مهينًا ذليلا

وقال آخر:
أمن أجل حَبْل لا أباك ضربتَه ** بمنسأة قد جَرّ حبلُك أحْبُلاَ

وقال آخر فسكّن همزها:
وقائم قد قام من تُكَأْتِهْ ** كقومة الشيخ إلى مِنْسَأْتهْ

وأصلها من: نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها، فسمّيت العصا بذلك لأنه يزجر بها الشيء ويساق.
وقال طَرفَة:
أمُونٍ كألواح الإران نَسَأْتها ** على لاحِب كأنه ظَهْرُ بُرْجُدِ

فسكّن همزها.
قال النحاس: واشتقاقها يدل على أنها مهموزة؛ لأنها مشتقة من نسأته أي أخرته ودفعته فقيل لها مِنْسأة لأنها يدفع بها الشيء ويؤخر.
وقال مجاهد وعكرمة: هي العصا، ثم قرأ {منساته} أبدل من الهمزة ألفًا، فإن قيل: البدل من الهمزة قبيح جدًا وإنما يجوز في الشعر على بُعْد وشذوذ، وأبو عمرو بن العلاء لا يغيب عنه مثل هذا لاسيما وأهل المدينة على هذه القراءة.
فالجواب على هذا أن العرب استعملت في هذه الكلمة البدل ونطقوا بها هكذا كما يقع البدل في غير هذا ولا يقاس عليه حتى قال أبو عمرو: ولست أدري ممن هو إلا أنها غير مهموزة لأن ما كان مهموزًا فقد يترك همزه وما لم يكن مهموزًا لم يجز همزه بوجه.
المهدوِيّ: ومن قرأ بهمزة ساكنة فهو شاذٌّ بعيد؛ لأن هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا متحركًا أو ألفًا، لكنه يجوز أن يكون ما سكن من المفتوح استخفافًا، ويجوز أن يكون لما أبدل الهمزة ألفًا على غير قياس قلب الألف همزة كما قلبوها في قولهم العألم والخأتم، وروي عن سعيد بن جبير: {مِن} مفصولة {سأته} مهموزة مكسورة التاء؛ فقيل: إنه من سئة القوس في لغة من همزها، وقد روي همز سِية القوس عن رؤبة.
قال الجوهري: سية القوس ما عطف من طرفيها، والجمع سِيَات، والهاء عوض من الواو، والنسبة إليها سِيَوِيّ.